أصبح الجمهور الرياضي الجزائري ينام ويستفيق كل يوم على اسم أو أسماء لمدربين أجانب ومحليين، مرشحين لتولي شؤون العارضة الفنية للمنتخب الوطني، خلفا للمدرب الجزائري عبد الحق بن شيخة.
السباق المحموم حول ''السبق الصحفي'' المزعوم للإعلام الجزائري داس على أخلاقيات المهنة وعلى التقاليد الصحفية في التعامل مع الخبر والمعلومة. وضرب ''التنافس الشرس'' على صنع المصطلح الشائع ''مثلما انفردنا به في عددنا أو أعدادنا السابقة''، عرض الحائط بمقاييس العمل الصحفي، بشكل أصبح الإعلام الرياضي في الجزائر ينساق وراء ''إغراق السوق الإعلامية'' بالأسماء، على اختلاف أوزانها، ومن مختلف أنحاء المعمورة، على أمل أن تختار بعدها الاتحادية اسم مدرب من بين عشرات الأسماء التي تم ''استهلاكها'' إعلاميا بضربة حظ.
كل المدربين في أحسن رواق
المتتبع لما بعد الرابع جوان، وتبعات استقالة عبد الحق بن شيخة، يقف عند مفارقات غريبة، لم تبد للعيان في خضم التراشق بأسماء المدربين الأجانب من كل حدب وصوب، ويقتنع بأن الإعلام الرياضي الجزائري قدم له أطباقا مختلفة ومتنوعة لمدربين أجانب مشهورين وآخرين أقل شهرة، ولتقنيين صنعوا إنجازات رياضية كبيرة مع أندية ومنتخبات عريقة، ومجموعة أخرى من التقنيين ''الصاعدين''، من لم ترشحهم سيرتهم الذاتية والمواصفات المطلوبة التي أعلن عنها رئيس الاتحادية من أجل تولي تدريب المنتخب الجزائري، متبوعة بتفاصيل عن إنجازات ووضع كل مدرب وقياس حظوظه أيضا في الظفر بالمنصب، وسرد كل شيء عن الجوانب المالية والرياضية التي قد تفصل في اختيار المدرب الجديد. والغريب في أمر الإعلام الجزائري، أنه أصبح ينطبق عليه المثل القائل ''راه يحاجي ويفك''، فتجد المدرب بول لوغوين، على سبيل المثال، يتصدر عددا من الصفحات بالتأكيد وبالبنط العريض بأنه ''في أحسن رواق لتدريب المنتخب''، لتعود نفس العناوين، في اليوم الموالي، وتعلن عن استبعاده لأنه تعاقد مع اتحادية سلطة عمان.
وتم تداول اسم الإسباني أراغونيس، صاحب اللقب الأوروبي مع منتخب إسبانيا سنة 2008 على أنه من بين ''الأسماء المقترحة'' التي اهتم بخبرتها رئيس الاتحادية، ثم ميلوفان راجيفيتش وبورا من البوسنة، والهولنديين فان باستن وريكارد والبرازيلي زيكو وحتى الأرجنتيني بوروشاغا وغيرهم، قبل ''لفت الانتباه'' إلى أن عامل اللغة سيحول دون تعيين مدرب لا يحسن التواصل مع اللاعبين الجزائريين باللغة الفرنسية.
الإعلاميون والمناجرة يتحولون إلى سماسرة
وقام الإعلام الرياضي الجزائري بمسح شامل عبر المعمورة لكل الأسماء الممكن ترشيحها لتدريب ''الخضر''، ومنحت الجمهور الرياضي ''حصة استدراكية''، تبدو مفيدة للثقافة العامة الرياضية لما أصبح ينطبق عليهم ''مستهلكي'' الجرائد في نظر هواة ترويج الكم على النوع من الأخبار.
الإعلاميون الجزائريون والمناجرة أصبحوا شركاء في الترويج للأخبار غير الصحيحة، فالمناجير الذي يراهن على جعل وكيله يضمن منصبا بأي شكل، حتى لو تعلق الأمر بالترويج زورا بأن لديه اتصالات ''متقدمة''، بينما لا يجد الصحفي حرجا في عدم التأكد من المعلومة، وينشر الخبر على أن يكذبه بنفسه في اليوم الموالي.
شراكة الإعلامي والمناجير تؤكد غياب المتابعة على مستوى أقسام التحرير للأخبار التي تقدم من الصحفيين، وتبعث على الاعتقاد باحتمال وجود تواطؤ ونية مبيتة للترويج لأسماء على حساب أخرى، من أجل مصلحة واحدة، تجعل من الإعلاميين والمناجرة سماسرة يلهثون وراء المصلحة على حساب الصدق أولا والقارئ ثانيا.
ومكنت هذه العناوين من تعريف الجمهور الرياضي الجزائري بالسير الذاتية للمدربين الأجانب، ومسيراتهم في عالم التدريب وإنجازاتهم والمنتخبات أو الأندية التي أشرفوا عليها، وعلمتهم أيضا سقف الرواتب الشهرية ''الخيالية'' لأشهر المدربين، وما تدفعه بعض الاتحادات الرياضية لهؤلاء بهدف إنجاح مشروع رياضي معين. غير أن كل ذلك كان خارج إطار ما ينتظره محبو ''الخضر'' وما وجب التعامل به في الوضع الراهن للمنتخب، والقاضي بالإعلان عن اسم واحد صحيح مرشح فعلا لتدريب ''الخضر''، أو على الأقل، منح المعلومة الصحيحة حول المدربين الذين أرسلوا ''رسميا'' سيرتهم الذاتية'' أو تلقوا فعلا اتصالا من رئيس الاتحادية بغرض التفاوض.
حكايات شهرزاد لشهريار الرياضية
وأمام غياب أو تغييب التعامل الصحيح والمهني مع رحلة البحث عن مدرب وطني جديد، والانسياق وراء استباق الأحداث تحت غطاء ''السبق الصحفي''، بلغ بنا الأمر، إلى غاية أمس، تداول 23 اسما مختلفا لمدربين أجانب، يصلحون، في حال التعاقد معهم جميعا، لمنح كل لاعب من اللاعبين الـ23 للمنتخب، مدربا واحدا، بين روجي لومير وديديي ديشان وبول لوغوين وريمون دومينيك وجيرار جيلي ورولان كوربيس ووحيد حاليلوزيتش ومارتشيلو ليبي وبوروشاغا وزيكو وغيس هيدينك ولويس أراغونيس وبورا وفيليب تروسيي وكلود لوروا وبادو زاكي وحسن شحاتة ولويس فان غال وتوتشاك وفرانك ريكارد وماركو فان باستن وميلوفان راجيفيتش، فضلا عن رابح ماجر وناصر سنجاق.
وعلى اعتبار أن الفصل النهائي في مستقبل العارضة الفنية لـ''الخضر'' سيكون نهاية جوان الجاري، فلا عجب أن نصل إلى مائة مدرب ''مرشح'' لتولي المهمة، وسنعيش كل يوم ''حكايات ألف ليلة وليلة''، يكون خلالها هذا النوع من الإعلام ''شهرزاد'' والجمهور الرياضي ''شهريار''، يتلقى الملك كل يوم قصة لمدرب للمنتخب من الخيال لا تبدو لها نهاية.