أكدت الشاعرة اليمنية الدكتورة ابتسام المتوكل الأستاذ المحاضر بجامعة صنعاء ،أن المرأة رفيقة الإبداع ومصدرة وليست "نبته شيطانية" كما يصور أصحاب العقلية الذكورية على حد قولها ،وأشارت في حوار خاص ومطول مع الوكالة ،إلى أن من يفتعل الخصومة بين الشعر والرواية " مخطئ" ونوهت بأن المشهد القصصي مظلوم وأن الشعر تم إشباعه درساً وتم قتله بحثاً ،وأوضحت الشاعرة المتميزة إبتسام المتوكل ،أن هناك شعراء يسعون إلى تجاوز المقالح ،لافتة بأن الشاعرات اليمنيات تجاوزن خط المحضور .هذه القضايا وغيرها أثارتها الوكالة مع الدكتورة ابتسام المتوكل ،وإلى تفاصيل الحوار.
البداية محفوفة بالتباسات
· كيف كانت بداية علاقتك مع الشعر؟
- البدايات محفوفة بالتباسات كثيرة ،الآن بعد مرور كثير من الوقت، ربما أحيانا أقول أن البداية المبكرة كانت عن طريق العلاقة القوية بقراءة كل ما تقع عليه اليد، هذه واحدة من البدايات المنسية، البداية الأخرى كانت في محاولة التعبير عن الإحساس بالحزن والألم مبكر وصياغته بالحروف، وهذه أيضا من البدايات التي لم تنشر، وواحدة من البدايات كانت في ذروة الصراع الداخلي الخارجي، الحرب الأهلية في صيف 1994م، كل ذلك الفضاء لم أكن بوسعي أن أواكبه إلا بالقصيدة، كانت هذه بداية منشورة، القصيدة الأولى التي نشرت كانت لإثراء هذه اللحظة المفصلية.
المعاناة من نوع آخر
· ما هي العوامل التي تجعلك تكتبين الشعر؟
- في البداية كنت أكتب الشعر عند الإحساس بعاطفة كثيفة وانفعالات، لكن بعد تجاوز مرحلة البدايات تصبح المعاناة من نوع آخر، معاناة الاشتغال على الصورة الشعرية، معاناة اجتراح صورة جديدة، المزاوجة بين التحليق بالنص وبين الاشتغال عليه، دون عقلنته.. هذه مجموعة من عوامل تحرض بعضها أو كلها على اقتراف نصٍ جديد.
تجاوزن خط المحضور
· كيف ترين الواقع الشعري النسوي في اليمن؟
- الحقيقة ،المرأة اليمنية تجاوزت البدايات وتجاوزت السؤال عن هل هناك أدب نسوي.. بالفعل هناك أديبات يمنيات شاعرات ،هناك أسماء قادمة إلى الشعر بقوة رغم أنها في بداياتها مثل " ميسون الإرياني، مليحة الأسعدي، نادية مرعي، هدى أبلان، فتحية العشبي، وغيرهن كثيرات" وأتحدث الآن أيضا عن أسماء تحضرني، وهناك أسماء كثيرة وجميلة لنساء تجاوزن خط المحضور في البوح والتعبير يقدن الكلام إلى حيث يردن، وإلى حيث يشأن أن يكنَّ.
عند حزني الجأ إلى الرواية
· ابتسام المتوكل حضرت شهادة الدكتوراه حول المشهد القصصي في اليمن.. لماذا اخترتي القصة مع أنكِ شاعرة بامتياز؟
- هذا السؤال يواجهني مرارا.. وربما لأني أحببت أن يكون جانب عملي الإجرائي الأكاديمي بعيدا عن الحالة الوجدانية الشعرية فاخترت القصة لأكمل ما ينقصني إبداعياً، وأنا أيضا أدين بالكثير للقصص في وجداني وذاكرتي وفي ثقافتي، وأحب قراءتها، وعندما أكون في حالة من الحزن والأسى أفضل أن اقرأ عملا روائيا أو قصصيا أكثر، وعندما أكون في حالة استمتاع، أُفضل أن اقرأ قصيدة، فالرواية أحبها وأدين لها بالكثير، أيضا المشهد القصصي مظلوم، الشعر أشبع درسا أو قتل بحثا كما يقولون، لكن القصة لأنها حديثة ولأنها كانت مهمشة ومقصية ومهملة عربيا ليس فقط يمنيا، كان حضها من الدراسة قليل، وكان هذا واحد من مبررات اشتغالي على هذا المتن القصصي اليمني التسعيني تحديداً لأنه حالة إبداعية يمنية تستحق التوقف عندها ودراستها ومعرفة معالمها وخصائصها.
مؤامرة سياسية
· قال عنك شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح "هل كان على هذا الوطن السعيد أن ينتظر كل هذه القرون، قبل أن تُضيء أفقه أطياف شعر المرأة من جديد فترصعه أصوات مثيرة مثل الشاعرة إبتسام المتوكل التي اختارها الشعر الحقيقي" تعليقك؟
- شهادة الدكتور عبد العزيز وهو الشاعر والناقد والعلامة المضيئة في سماء اليمن، حقيقة واحد من الإضاءات التي تضيء عتمة المشهد اليمني منذ سنوات، وهو وجود عبد العزيز المقالح فيه، أن يقترن اليمن باسمه دائما في حصد جوائز ثقافية وإبداعية بعيدا عن مؤامرة سياسة والاختطافات والفقر وكل هذه الأخبار المروعة يأتي الجانب المضيء والجميل الذي يرفع اسم اليمن عاليا مقترنا باسم الدكتور عبد العزيز المقالح.. شرفني الدكتور عبد العزيز المقالح بهذه الشهادة، وهي مقالة في جزء من دراسة نشرها في أكثر من مكان، يستبصر فيها وهو المبدع والناقد في نفس الوقت جزء جوهريا من تجربة المرأة في اليمن من خلال قصائد ابتسام المتوكل، وأنا أوجه له التحية وأقول له: دمت لليمن علامة مضيئة ولتبقى بخير دائما.
وصاية ذكورية
· هناك من يتذمر من مشاركة الشاعرة اليمنية في المحافل الثقافية مبررا أنها لم تصل إلى مستوى التمثيل الثقافي للشعر اليمني.. تعليقك؟
- كل هذه الوصاية الذكورية تعبر عن شخوص قلائل، في الحقيقة أنا من خلال متابعاتي ليس فقط لابتسام المتوكل بل للشاعرات الأخريات أجد أن كثير من الأدباء المثقفين يفتخرون بوجود أديبات وشاعرات يمنيات، قليل فقط من ذوي العقليات الذكورية هم الذين يمكن أن ينطلقوا من هذا المنطلق، الشاعرة اليمنية وصلت بشعرها الجميل وبحضورها المتميز، ولهذا فإن خير شهادة لها هي قصيدتها وشعرها وحضورها الثقافي المتميز المرتبط أيضا بجذور ثقافية يمنية متفردة، وأن هذه المقولات ستخفت لأن قصيدة النساء المبدعات تسير.
سامح الله" جابر عصفور"
عصفور
· هل نحن نعيش زمن الشعر.. أم زمن الرواية ؟
- المقولة التي أطلقها الدكتور جابر عصفور – سامحه الله – في خلق خصومة في هذا الموضوع.. دائما نسمع عن الشعرية في القصص، نجيب محفوظ يقول لا يوجد إلا الشعر في كل الأشكال الإبداعية حتى القصة تحتاج إلى قدر من الشعرية والرواية، فليس هناك خصومة، بالعكس ينبغي أن نمد أفقنا لنشمل أيضا السينما والتشكيل والموسيقا ولتتآخى هذه الفنون مع الفلسفة وعلم النفس والمعرفة الإنسانية، من يفترض خصومة أو يفتعلها بين هذه الأشكال فهو مخطئ في رأيي.
لايوجد فرق
· كيف تتعاملين مع الشعر ومع القصة.. وماذا تفضلين قراءته؟
- أنا لا أفرق بينهما.. كل ما هو مبدع يشدني، فلا أختار بين هذا الشعر أو القصة، إن كان النص جميلا يشدني، لكن عندما أريد أن ابتعد عن التفكير في أمر مقلق أو الانشغال بشيء مبدع أذهب إلى الرواية، أو إلى مجاميع قصصية، لأن التشويق فيها والعيش مع شخصيات أخرى وعوامل الكتابة التي تحول ما هو مكتوب على الورق إلى شخوص حية من لحم ودم ومشاكل أخرى تشدني، لكن عندما أكون في حالة من الاستمتاع والهدوء وهدوء البال أفضل سماع الشعر أو قراءته.
"المقالح" الأب الروحي للشعراء اليمنيين
المقالح
· في إحدى حواراتك قلت "بعض الشعراء يسعون لقتل المقالح" تفاصيل ذلك؟
- كنا نتحدث عن أن المقالح هو الأب الروحي للشعراء اليمنيين الشباب جميعا، لا أحد لم يخرج من عباءة المقالح، فعقدة قتل الأب بحسب علم النفس كما يقولون عندما يكتمل عود الابن يريد أن يتجاوز أبيه، هنا مسألة القتل هي مسألة معنوية، أو رمزية، فبعض الشعراء يسعون إلى تجاوز المقالح لأنه يشكل بالنسبة لهم مرحلة إما أن يسقطوا في فخ التكرار، والنهج على منوالها، أو أن يتجاوزوها، التجاوز هنا هو الإشارة إلى القتل، بمعنى محاولة الشعراء تجاوز حالة المقالح وتأثيره في الشعرية اليمنية وتأثيره في الشباب اليمني ومحاولة إيجاد بصمة خاصة للشعراء الشباب.
أكتب دون أن أراقب نفسي
· إلى أين وصلت ابتسام المتوكل في كتابتها عن "حساسية مشكلات المرأة"؟
- بهذا الشكل المباشر في المقالات، من فترة لم أكتب، ربما لأن هناك كاتبات كثيرات الآن يُغنين الساحة، ربما لأنني أحاول أراكم معرفة أخرى حتى أضيف للكتابة أو تكرارا لما قيل.. أما بالنسبة للقصيدة فالكتابة عن المرأة والقصيدة يتفاعلان بشكل لا أستطيع أن أفككه، بما أن كل كاتب هناك جزء منه مضمر في نصه قصيدة أم قصة أم رواية، فلا بد من وجود المرأة مضمرة في قصائدي في كثير من الأحيان بشكل عالٍ وفي أحيان كثيرة بشكل ضمني لا يكاد يُرى، فربما الحالة تحتاج إلى إعادة قراءة لما أكتبه بهذا الوعي.. وأنا أكتب دون أن أراقب نفسي من هذه الزاوية، لا أكتب عندما أكتب وأنا أعي أين حساسية الكتابة عن المرأة في هذا النص أو ذاك، إلا إذا كان مقالة، أما إذا كان قصيدة فالأشياء تتفاعل مع بعضها لتخرج نصا، ربما فيما بعد يشار إليَّ في هذا الجانب أو ذاك عن هذه القصة.
نبته شيطانية
· قديما قالوا "الأديبة اليمنية نبتة شيطانية" تعليقك؟
- هذه قيلت قديما وتشبه المقولة السابقة من نفس العقلية الذكورية التي ترى أن المرأة لا تصل وهي أقل من أن تمثل القصيدة اليمنية في الخارج، وأيضا أنها "نبتة شيطانية".. الأدب في العالم كله هو مرتبط بالبوح بالمرأة، الأدب الشعبي، الحكايات، الشعر، الشعر الغنائي، كل الأغاني.. كيف تكون المرأة نبتة شيطانية؟، لكن الأدب المكتوب نبه لحرمان المرأة من التعليم أزمانا كثيرة، كان من الطبيعي أن تدون ما تقوله، لكنه وجد الشعر الشعبي حتى بدون اسم، وجدت غزال المقدشيه، فوجدت شاعرات شعبيات بدون اسم، حيث نسمع الأغاني ونعرف أنه شعر امرأة ولكن لا نعرف من هي نظرا لمحاذير اجتماعية كثيرة، فلا يمكن أن تكون المرأة إلا رفيقة للإبداع وحاضنة له، ووجودها في الإبداع كان وهو كائن الآن وسيبقى كائن مستقبلا، لأن هذا شيء طبيعي، الإنسان بحاجة لإبداع الرجل والمرأة، فلماذا حين يكتب الرجل يكون الأمر طبيعيا، وحين تكتب المرأة تكون النبتة شيطانية!!
الجودة متفاوتة
· المشهد الثقافي في اليمن، يشهد الكثير من الإصدارات الشعرية النسوية.. كيف تنظرين إلى ذلك، وماذا عن جودة ما ينتج؟
- في الحقيقة الجودة متفاوتة، لا نستطيع أن نقول أن كل ما تكتبه النساء بجودة عالية، هناك تفاوت، لكني أقول أن الكم بحد ذاته إشارة جيدة نظرا لكل تلك المحاذير التي كانت تعيق وجود المرأة على الساحة الثقافية، حيث أصبح حضور المرأة راسخا، وأسماء كثيرة، كنت من قبل عندما تبحث عن اسم شاعرة تجد اسم أو اسمين، لكن الآن بالعشرات وتجد لهن إصدارات، الزمن هو الذي سيحكم على ما هو جيد الذي سيبقى وما هو الرديء الذي سيتلاشى، لا نستطيع الآن أن نحكم، لأن أحيانا البعض يتحسس للأحكام ويقول أن هناك نوع من المجاملة أو الغيرة، فلندع الحكم بعض الوقت، لأنه دائما الوقت هو خير اختبار وامتحان لأي نص، كم شعراء عاشوا في العالم العربي، وكم بقي منهم، نتذكر المتنبي وأبو تمام وامرئ القيس.. أقصد أن هناك دائما شعراء بالمئات والآلاف في فترة من الفترات.. لكن من يبقى منهم قليلون.
· دكتورة، بماذا تحلمين في قصائدك وهي التي دائما ما تحمل في معظمها قدرا هائلا من الرفض والاحتجاج والسخط العنيف على ما كانت تعاني منه المرأة؟
- في البداية كان الاحتجاج فعلا ظاهر، والسخط معلن، خصوصا في الفترة التي ابتدأنا فيها، لأنه كان هناك إحساس بالعوائق أكثر مما هو عليه الحال الآن، لكني أحلم بإمكانية وجود كتابة أجمل لا تحاسب لأن كاتبها امرأة ولا ينظر إلا بوصفها نصا، هل هو نص جيد يستحق التحية، أم أنه نص غير جيد.. فلا داعي لإثارة الزوابع من حوله فقط لأن كاتبته امرأة، أنا أحلم بوجود مشهد شعري يمني أجمل، تتشارك فيه النساء والرجال، اقتسام القصائد، أحلم بوجود صالونات ثقافية، شعرية، أحلم باستعادة المكان الموجود من زخم في التسعينيات، اتحاد الأدباء أكثر حيوية، مؤسسة العفيف في عز عطائها، وجود تجمعات ثقافية، كل هذا يثري الروح والحياة، يسمح بالتشارك في المعرفة.. أحلم بأن تكون القصيدة هي واحدة من نوافذ مرورنا على الحياة، وأن تعيينا على اكتشاف الحب والخير والجمال، وأن ننبذ كل ما يناقض القصيدة من عنف وموت ودمار.. تحية للقصيدة التي ترادف الحياة والحب.
النساء في الفعل السياسي الثوري
· كونك إحدى قيادات الثورة الشبابية، كيف تجدين دور المرأة ولا سيما الشاعرات والمبدعات في مثل هذه الثورات العربيات؟
- أولا، لا أستطيع أن أدعي أنني من قيادات الثورة، يكفيني شرفا أنني واحدة ممن يساندون الشباب في ثورة سلمية شبابية مدنية تحلم بمطالب مشروعة وتسعى لتحقيقها ولا تكتفي بالأحلام فقط، أجد أن النساء وهذه لأول مرة في المشهد العام اليمني في الفعل السياسي الثوري تشارك النساء بهذه الكثافة والحجم والأثر، ويشاركن بكونهن (هُنَّ)، ليست زوجة فلان ولا أخت فلان ولا بنت فلان، لكن هي فلانة التي أتت إلى الساحة لتقتسم الحلم مع أخيها الرجل وشريكها في الحياة، كل النساء اليمنيات على غير المتوقع منهن، كُن فوق مستوى المتوقع في هذا الحدث، الأديبات والمبدعات شوهدن من الأيام الأولى، تحمسنَ، لا أستطيع أقول أنهن الكل، لا بد أن نحترم الآراء التي بقيت، فهناك فئة انحازت إلى خيار آخر، نحترمهن وهذه حرية رأي، لسنا نوافق على هذا لكن نحترم خياراتهن، لكن الأغلب وأنا شاهدت الأديبات والمبدعات والكاتبات والشابات المبتدئات وأسماء مخضرمة موجودة تشارك وتعمل وتحلم وتتعرض للخطر ولا تأبه، تريد أن تسهم قولا وفعلا في مساندة الشباب اليمني الذي قدم إلى الآن نموذجا سلميا لم يكن يتوقعه أحد من اليمن، خاصة أنه كان دائما عندما يُذكر اليمن، فإنه يذكر معه السلاح، فيخشى أن أي توتر في اليمن سيجعل هذه القنبلة الموقوتة تنفجر، الشباب اليمني أثبت أن ليس هناك من قنبلة سوى الفساد، ليس هناك من قنبلة سوى الظلم، ليس هناك من قنبلة ستنفجر في وجوه الناس سوى التسلط والاستيلاء غير المشروع على ثروات الشعب وحريته وكرامته، حتى القبائل اليمنية التي كانت دائما الشبح التي يُخوف بها أهالي المدن أثبتت أنها فوق المستوى وأنها تحلم بحياة أكثر عدالة، وأنها تستحق هذه الحياة المدنية العادلة الكريمة، أنا أعتقد أن النساء والرجال في اليمن يشاركون في صنع مستقبل مختلف أفضل وأتمنى ألا تتدخل أطراف ليست شبابية وإنما لها مصالحها ولها حساباتها الأخرى لتشوش على هذه الثورة السلمية الشبابية التي نتمنى أن يكبت لها النجاح وأن تغير سلميا وبشكل سلمي كل منظومة الفساد التي كانت موجودة في هذا البلد الذي يستحق أيضا مستقبل أفضل وحياة أكثر عدالة.
· ما قصة محاولة ترحيلك من المغرب أثناء دراستك العليا؟
- هي جزء من منظومة الفساد الذي نشكو منه ونساند الشباب في السعي لتغييره، والمشكلة التي حدثت ليست لابتسام المتوكل فقط، وإنما لمجموعة من طلاب الدراسات العليا اليمنيين في المغرب بقطع تعسفي لِمنحهم نظرا لأجندة سياسية لبعض الأشخاص في السفارات اليمنية، وكان من المتوقع أن يتم هذا الأمر بهدوء ولم يستطع احد أن يفعل شيء وارجعوا إلى اليمن، وكنت على مفترق الطرق وكان لا يفصلني عن التخرج سوى بضعة أشهر فقط، لكن بمساعدة الطلاب وباقتراح من الزملاء الدارسين نفذنا اعتصاما واحتجاجا سلميا وأقمنا في السفارة للمطالبة للنظر في تضلمنا لأن المنحة قطعت دون وجه حق، طبعا كان هناك هجوم وكالعادة هناك جهات تخوف وجهات ترغب وجهة ترهب، لكن الحمد لله العقلاء المعنيين بالمسألة أنهوا الأمر ورجعت منحنا وفي الحقيقة كنت أنا الأولى من بين زملائي الذين أعيدت لهم المنحة، واتضح أن كل ذلك الافتراء لم يكن له محل من الصحة، وما أزعجني هو التشكيك في وطنيتنا، كنا نطالب بمنحة، فحاول البعض من ضعفاء النفوس أن يحول القضية إلى قضية سياسية وبأننا إرهابيون وأننا نتبع لا أعرف ماذا من الجهات المتطرفة والإرهابية والسياسية، والأمر كان أكثر براءة من هذا كنا نشتكي من أن شخصا أو أشخاصا أو جهة تعسفت علينا عن قصد بقطع منحنا لتعطيل تخرجنا وكان أكثرنا على وشك التخرج.. وهذا الموضوع كان أول اختبار نضالي لي في مسألة أخذ الحق، لم أُختبر من قبل بتلك الشراسة وذلك التحدي وكيف أن يُسلب منك ذلك الحق وأن تضطر لأن تكون أكثر شراسة من ذلك الشخص الذي ظلمك، ولكن ليس لتظلمه ولكن لتستعيد حقك، كانت تجربة مهمة، واحتفظ ببعض الأسماء الرائعة والمشرقة من الزملاء الذين ظلوا انقياء وظلوا على مبدئهم حتى آخر لحظة، لأن هناك بطبيعة الحال من يتساقطون دائما في طريق النضال أو في طريق المبدأ وتبقى دائما العزيمة القوية والنفوس الأبية هي التي تضيء وهي التي تستطيع دائما استعادة ما سلب منها.