بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والعز والكبرياء والجمال وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والإفضال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه.
وبعد فلما كانت معجزات النبي أنوارًا تشرق على القلوب الطافحة بالإيمان وتزيدها قوة وثباتًا واستقامة أحببت أن أذكر ما تيسر منها والله المسؤل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم.
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن الله قد جمع لنبينا جميع أنواع المعجزات والخوارق. أما العلم والأخبار الغيبية والسماع والرؤية.
1- فمثل إخباره عن الأنبياء المتقدمين وأممهم.
2- ومخاطبته لهم وأحواله معهم.
3- وكذلك إخباره عن أمور الربوبية والملائكة والجنة والنار بما يوافق الأنبياء قبله من غير تعلم منهم، ويعلم أن ذلك موافق لنقول الأنبياء تارة بما في أيديهم من الكتب الظاهرة ونحو ذلك من النقل المتواتر.
4- وتارة بما يعلمه الخاصة من علمائهم.
5- فإخباره عن الأمور الغائبة ماضيها وحاضرها هو من باب العلم الخارق للعادة.
6- وكذلك إخباره عن الأمور المستقبلة.
7- مثل مملكة أمته.
8- وزوال مملكة فارس.
9- والروم.
10- وقتال الترك وألوف مؤلفة من الأخبار التي أخبر بها وأما القدرة والتأثير:-
11- فانشقاق القمر.
12- وكذا معراجه إلى السموات.
13- وكثرة الرمي بالنجوم عند ظهوره.
14- وكذا إسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
15- وتكثير الماء في عين تبوك.
16- وعين الحديبية.
17- ونبع الماء من بين أصابعه.
18- وكذا تكثير الطعام. ويأتي إن شاء الله بعضها موضحًا مفصلاً قريبًا.
19- وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: "سرنا مع رسول الله حتى نزلنا واديًا أفيح فذهب رسول الله يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله فلم ير شيئًا يستتر فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله.
فانقادت معه كالبعير المخشوم الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بعض أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت كذلك حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما فلاءم بينهما حتى جمع بينهما، فقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا عليه.
فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربي فتباعدت فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله مقبلاً وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق" وذكر الحديث.
20- ومنها أنها انكسرت رجل عبد الله بن عتيك بعدما قتل أبا رافع الذي يؤذي النبي قال فانتهيت إلى النبي فحدثته فقال لي "ابسط رجلك" فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط.
21- وقصة أم معبد مشهورة من حديثها أن رسول الله حين مر بها طلب لبنًا أو لحمًا يشترونه وكانوا مرملين مسنتين فلم يجدوا عندها شيئًا قط فنظر إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم، فسألها هل بها من لبن ؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها! فقالت بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا.
فدعا بالشاة فاعتقلها ومسح ضرعها فدرت واجترت ودعا بإناء يشبع الرهط فحلب حتى ملأه وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه مرة أخرى عللاً بعد نهل ثم غادره عندها وذهبوا فجاء أبو معبد فلما رآى اللبن قال ما هذا يا أم معبد ؟ أنى لك هذا والشاة عازب حيال ولا حلوبة بالبيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك فقال صفيه فوصفته له، وذلك في طريق هجرته إلى المدينة.
وقد قيل في ذلك الأبيات المشهورة قالت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله تشير إلى ما ذكر من أنه أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وأن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جَزَى اللهُ ربُ الناسِ خَيرَ جَزَائه
هُمَا نَزَلا بالِبِرَّ ثم تَرَوَّحَا
لِيَهْنِ بَنِيْ كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهم
سَلوُا أُخْتَكُم عن شَاتِهَا وَإنائِهَا
دَعَاهَا بشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ
فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ
رَفِيْقَيْنِ حَلا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
فأَفْلَحَ مَن أَمْسَى رَفِيْقَ مُحَمَّدِ
ومَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِيْنَ بِمَرْصَدِ
فِإِنَّكُمُوا إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
لَهُ بصَرِيْحِ ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِدِ
يُدرُّ لَهَا قي مَصْدَرِ ثُمَّ مَوْرِدِ
فلما سمع حسان بن ثابت أنشأ يقول مجيبًا للهاتف:
لَقَدْ خَابَ قَومٌ زَالَ عنهم نَبِيُّهُم
تَرَحَّلَ عن قَوْمٍ فَظَلَّتْ عُقُولُهُمْ
هَداهُم بِهِ بَعْد الضَّلالَةِ رَبُّهُمْ
وقَدْ نَزَلَتْ مِنهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ
نَبِيٌ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ
وإنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ
وقُدَّسَ مَنْ يَسْرِيْ إليْهِم ويَغْتَدِي
وحَلَّ عَلَى قَومٍ بِنُوْرٍ مُجَدَّدِ
وأَرْشَدَهُمْ مَن يَتْبَعِ الحقَّ يَرْشُدِ
ركابُ هُدىً حَلَّتْ علَيْهِم بِأَسْعَدِ
ويَتْلُوا كِتَابَ اللهِ فِي كُلِ مَسْجِدِ
فَتَصْدِيْقُهَا فِي اليَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الغَدِ
بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللهُ يَسْعَدِ
22- وفي الترمذي عن علي قال: "كنت مع رسول الله بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله" رواه الحاكم في صحيحه.
23- وجاء أعرابي إلى النبي فقال بم أعرف أنك نبي ؟ قال: "إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟" قال: نعم. فدعاه رسول الله فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي ثم قال ارجع فعاد، فأسلم الأعرابي.
والله أعلى وصلى الله على محمدٍ.
24- ولما بعثت قريش في فداء أسراهم إلى رسول الله بعد بدر ففدى كل قوم أسيرهم بما رضول وكان العباس أسيرًا قال يا رسول الله قد كنت مسلمًا فقال رسول الله "الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابني أخويك" قال العباس: ما ذاك عندي. قال رسول الله "فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم".
قال والله يا رسول الله لأعلم أنك رسول الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل.... إلخ.
25- وقصة ارتجاف أحد وذلك أن النبي صعد أحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال رسول الله أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
26- وقصة ماء الركوة وهي ما ورد عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي بين يديه ركوة يتوضأ فجهش الناس نحوه فقال: "ما لكم ؟" قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك قال جابر فوضع النبي يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قال سالم قلت لجابر كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا خمس عشر مائة (1500).
27- وقصة موت النجاشي وهي ما ورد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة ربيبة رسول الله قالت لما تزوج النبي أم سلمة قال لها "إني قد أهديت للنجاشي أواقي من مسك وحلة وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية إلا سترد إلي، فإذا ردت إلي فهي لك" فكان كما قال ، مات النجاشي وردت إلى النبي هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك وأعطى سائره أم سلمة.
28- وقصة عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي حينما اندفع يقاتل المشركين يوم بدر ويحصد فيهم حصدًا حتى انكسر سيفه فلم يثنه ذلك عن خوض المعركة ولم يتخذ من كسر سيفه معذرة عن القتال فجاء إلى النبي يخبره بكسر سيفه وإرادة غيره فدفع له جذلاً من حطب فقال له قاتل بهذا يا عكاشة.
فلما أخذه عكاشة من رسول الله هزه فعاد في يده سيفًا صارمًا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين ولم يزل عنده ذلك السيف يشهد به المشاهد مع رسول الله حتى استشهد في قتال الردة في خلافة أبي بكر الصديق .
29- وقصة عمير بن وهب الجمحي وذلك أنه كان مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر وكان عمير شيطانًا من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب ابن عمير في أسارى بدر قال فذكر عمير أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله ما في العيش بعدهم خير.
قال عمير صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان وقال علي دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء يعجز عنهم.
فقال عمير فاكتم شأني وشأنك قال أفعل ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر وما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحا السيف، فقال عمر هذا الكلب عدو الله والله ما جاء إلا لشر.
ثم دخل عمر على رسول الله فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب، قد جاء متوشحًا سيفه، قال فأدخله علي فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها.
وقال لرجال من الأنصار ادخلوا على رسول الله فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله فلما رآه رسول الله قال أرسله فدنا عمير.
فقال رسول الله "فما جاء بك يا عمير ؟" قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه يعني ولده قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنك شيئًا قال "أصدقني ما الذي جاء بك" قال ما جئت إلا لذلك.
قال رسول الله "بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك".
فقال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا الساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله "فقهوا أخاكم في دينه واقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره" ففعلوا.. إلخ، والله أعلم وصلى الله على محمد.
شعرا:
فُوَآدٌ مَا يَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ
ولَيْلٌ طَالَ بالأَنكادِ حَتَّى
ولِمَ لا والتُّقَى حُلَّتْ عُرَاهُ
لِبَيْكِ مَعِيْ على الدِّيْنِ البَوَاكِي
وقدْ هُدَّتْ قَوَاعِدُهُ اعْتِدَاءً
وَأَصْبَحَ لا تُقَامُ لَهُ حُدُوْدٌ
وَعَادَ كَما بَدَا فِيْنَا غَرِيْبًا
فقد نَقَضُوا عُهُودَهُمُوا جِهَارًا
وأَجْفَانٌ مَدَامِعُهَا غِزَارُ
ظننتُ الليلَ لَيَس لَهُ نَهَارُ
وبانَ عَلَى بَنِيْهِ الانْكِسَارُ
فَقَدْ أَضْحَتْ مَوَاطِنُه قِفَارُ
وَزَالَ بِذَاكُمُوْا عنه الوَقَارُ
وأَمْسَى لا يُبَنَّ لَهُ شِعَارُ
هُنَالِكَ مَالَهُ في الخَلْقِ جَارُ
وأَسْرُفوا فِي العَدَاوَةِ ثُمَّ سَارُوْا
اللهم إنك تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمع كلامنا وترى مكاننا لا يخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء إليك المستغيثون المستجيرون بك نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات ويقيم علم الجهاد ويقمع أهل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
30- وقصة حنين الجذع ما ورد عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لي غلامًا نجارًا قال إن شئت قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي على المنبر الذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت.
31- وقصة عكة أم سليم لما ورد عن أنس عن أمه قالت كانت لنا شاة جمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت يا ربيبة فبلغي هذه العكة رسول الله يأتدم بها فانطلقت بها الربيبة حتى أتت رسول الله فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم فقال أفرغوا لها عكتها ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت بها.
وجاءت وأم سليم ليست في البيت فعلقت العكة على وتد فجاءت أم سليم قرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله فقالت قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله فانطلقت ومعها الربيبة.
فقالت يا رسول الله إني قد بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال قد فعلت قد جاءت قالت والذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا قال: فقال لها رسول الله "يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعم نبيه كلي وأطعمي" قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرين.
32- وقصة طيب عتبة صاحب رسول الله قالت أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد كنا عند عتبة ثلاث نسوة ما منا واحدة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها وما يمس عتبة بن فرقد طيبًا إلا أن يلتمس دهنًا وكان أطيب ريحًا منا فقلت له في ذلك.
فقال أصابني الشرى "حكة في الجلد" على عهد رسول الله فأقعدني رسول الله بين يديه فتجردت وألقيت ثيابي على عورتي فنفث رسول الله في كفه ثم دلك بها الأخرى ثم أمرهما على ظهري فعبق بها ما ترون.
33- وقصة قتادة بن النعمان فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله خرج ذات ليلة لصلاة العشاء وهاجت الظلماء من السماء وبرقت برقة فرأى رسول الله قتادة بن النعمان فقال رسول الله قتادة ؟ قال نعم يا رسول الله علمت إن شاهد الصلاة الليلة قليل فأحببت أن أشهدها.
فقال له رسول الله إذا انصرفت فأتني فلما انصرف أعطاه رسول الله عرجونًا وقال "خذه فسيضيء أمامك عشرًا وخلفك عشرًا".
34- وقصة أبي جابر وهي ما ورد عن جابر بن عبد الله قال توفي أبي شهيدًا في أحد وعليه دين فاستعنت النبي على غرمائه أن يضعوا من دينه فطلب النبي فلم يفعلوا فقال لي النبي "اذهب فصنف تمرك أصنافًا العجوة على حدة وعذق زيد على حدة" (أنواع التمر).
ثم أرسل إلى قال جابر: ففعلت ثم أرسلت إلى رسول الله فجلس على أعلاه أو في وسطه ثم قال كل للقوم قال جابر فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم وبقي تمري كأن لم ينقض منه شيء.
35- وقصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن رسول الله عندما أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش، حتى نبغتها في بلادها" فلما أجمع رسول الله على المسير، كتب حاطب كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله من الأمر بالسير إليهم.
ثم أعطاه امرأة وجعل لها عطاء على أن تبلغ قريشًا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها "جدائلها".
وأتى رسول الله الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث رسول الله علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ـ رضي الله عنهما ـ فقال أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما أجمعنا عليه في أمرهم.
فخرجا حتى أدركاها بالخليقة "اسم موضع" فاستنزلاها فالتمسا في رجلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبًا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
فلما رأت الجد قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله فدعا رسول الله حاطبًا فقال يا حاطب ما حملك على هذا !؟.
فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولآبدلت ولكني امرؤ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم.
فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله "وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم" فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ. والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
36- وقصة لبن أهل الصفة وذلك أن أبا هريرة قعد يومًا على الطريق فمر به رسول الله فتبسم حين رآه وعرف ما في نفسه وما في وجهه ثم قال "يا أبا هريرة" قال قلت لبيك يا رسول الله قال الحق ومضى فتبعته فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنًا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا من فلان أو فلانة.
قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال أبو هريرة فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاؤا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسي أن يبلغني من هذا اللبن.
قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت فقال يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح. حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم.
فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وانت قلت صدقت يا رسول الله قال أقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فلا زال يقول اشرب حتى قلت والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا.
قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة .
37- وقصة طعام جابر وذلك ما ورد عنه قال لما حفر الخندق رأيت بالنبي خمصًا شديدًا فانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت رسول الله خمصًا شديدًا.
فأخرجت إلي جرابًا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحناها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله فقالت لا تفضحني برسول الله فجئته فساورته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك.
فصاح النبي يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا فحيهلا بكم !؟ فقال رسول الله لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء فجئت وجاء رسول الله يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت فأخرجت له عجينًا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك.
ثم قال ادعي خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو.
38- وعن علي قال كنت شاكيًا فمربي رسول الله وأنا أقول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرًا فارفعني وإن كان بلاء فصبرني.
فقال رسول الله كيف قلت فأعاد عليه ما قال فضربه برجله وقال اللهم عافه أو أشفه شك شعبة قال فما اشتكيت وجعي بعد. قال الترمذي حديث حسن صحيح.
39- ومن ذلك رد عين قتادة بن النعمان فقد أصيبت عينه في غزوة أحد حتى وقعت على وجنته فردها النبي فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرًا وفي ذلك يقول ابنه:
أَنَا ابنُ الذيْ سَالَتْ عَلَى الخَدِّ عَيْنُه
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لأَوِّلِ مَرَّةٍ
فَرُدَّتْ بِكَفِّ المُصْطَفَي أَحْسَنُ الرَّدِّ
فَيَا حُسْنَ ما عَيْنٍ ويَا حُسْنَ مَا خَدِّ
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
40- ومن ذلك استسقاؤه واستصحاؤه . ففي الصحيحين عن أنس أنه رفع يديه ثم قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا" قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا من قزعة وإن السماء لمثل الزجاجة وما بيننا وبين سلع من دار.
فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحدر عن لحيته، وفي رواية أخرى قال: "فلا والله ما رأيت الشمس سبتًا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة فاستقبله قائمًا فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا، قال فرفع رسول الله يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، قال فما يشير بيده إلى ناحية إلا انفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرًا.
ومن قول أبي طالب يمدح النبي :
وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ اليَتَامى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
وهو من قصيدة لأبي طالب قالها لما تمالأت عليه قريش ونفروا عنه وأولها:
ولَمَّا رَأَيتُ القَوْمَ لا وِدَّ عِنْدَهُمْ
وَقَدْ جَاهَرُونا بالعَدَاوةِ والأَذَى
صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بَسمْرَاءَ سَمْحَةٍ
وأَحْضَرْتُ عِندَ البَيْتِ رَهْطِي وإخْوَتِي
أَعُوذُ بِرَبِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ
لَقَدْ عَلِمُوْا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ
كَذَبْتُم وَرَبِّ العَرشِ نَبْزِي مُحَمَّدًا
ونُسْلِمُهُ حَتَى نُصَرَّعَ دُوْنَهُ
ويَنْهَضُ قَوْمٌ بِالحَديد إليْكُمُ
ويَنْهَضَ قَوْمٌ نَحْوَكُم غَيْرَ عُزَّلٍ
ومَا تَرْكُ قَومٍ لا أَبَالَكَ سَيِّدًا
وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
يَلُوذُ بِهِ الهُلاكُ مِن آلِ هَاشِمٍ
لَعَمْرِي لقد كُلِّفْتُ وِجْدًا بأَحْمَدِ
فَمَنْ مِثْلُه فِي الناسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ
حَلِيْمٌ رَشِيْدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ
ومِيزانُ حَقٍ مَا يَعُوْلُ شَعِيْرةً
فَوَ اللهِ لَوْلا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ
لَكُنَا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ
فأَصْبَحَ فِيْنَا أَحْمَدٌ ذُوْ أَرُوْمَةٍ
حَدَبْتُ بِنَفْسِي دُوْنَهُ وَحَمَيْتُهُ
فأَيَّدَهُ رَبُّ العِبَاد بِنَصْرِهِ
وًدْ قَطَعُوْا كُلَّ العُرَى والوَسَائِلِ
وقد طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِ المُزَائل
وأَبْيَضَ عَضْبٍ مِن تُراثِ المَقَاوُلِ
وأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِه بالوَصَائِلِ
عَلينَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٌّ بِبَاطِلِ
لَدَيْنَا وَلا يَعْنَي بِقَوْلِ الأَبَاطِلِ
ولَمَّا نُطُاعِنْ عِندَهُ ونُنَاضِلِ
ونَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلائِلِ
نُهُوضَ الرَّوايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلاصِلِ
بِبِيْضٍ حَدِيْثٍ عَهْدُهَا بالصَّيَاقِلِ
يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ
ثِمَالُ اليَتَامَي عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَهُم عندَهُ في رَحْمَةٍ وفَوَاضِلِ
وإِخْوَتِهِ دَأْبَ المُحِبِ المُوَاصِلِ
إِذَا قَاسَهُ الحُكَّامُ عنِدَ التَّفَاضُلِ
يُوَالِي إِلهًا لَيْسَ عَنهُ بِغَافِلِ
وَوَزَّانُ حَقٍ وَزْنُهُ غَيرُ عَائِلِ
تَجُرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي المَحَافِلِ
مِنَ الدَّهْرِ جِدًا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ
تُقَصِّرُ عَنها سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ
وَدَافَعْتُ عَنْهُ بالذُرَي والكَلاكِلِ
وَأَظْهَرَ دِيْنًا حَقُّهُ غَيْرُ بَاطِلِ
41- ومن ذلك ما في غزوة خيبر من أنه أرسل إلى علي وهو أرمد فبصق في عينيه فبرئ كأن لم يكن به وجع.
42- وروي الإمام أحمد عن أنس قال جاء جبريل إلى النبي ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة فقال مالك قال: فعل هؤلاء وفعلوا، قال: فقال له جبريل أتحب أن أريك آية ؟ قال نعم فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع إلى مكانها فقال لها ارجعي فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال حسبي. والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
43- ومنها إطعامه الذين يحفرون الخندق من أصحابه بتمرات قليلة. ففي كتب السير وغيرها أن ابنة لمشير بن سعد أخت النعمان بن بشير، قالت: دعتني أمي عمرة بن رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغذائهما.
قالت: فأخذتها، فانطلقت بها، فمررت برسول الله وأنا التمس أبي وخالي، فقال "تعالي يا بنية، ما هذا معك ؟" قالت: قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه، قال "هاتيه" قالت فصببته في كفي رسول الله ، فما ملأتهما.
ثم أمر بثوب فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده "اصرخ في أهل الخندق، أن هلم إلى الغداء" فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
44- ومنها إخباره عليه أصحابه قبل مسيرهم إلى فتح مكة وهم يتجزون للمسير أنه يصير بينهم وبين قريش دماء قليلة، فكان الأمر كما أخبر به ، فإنه وقع بين بعض كتائبه حين دخولهم مكة وبين قوم من قريش قعدوا بالخندمة، ليردوا النبي بزعمهم عن دخول مكة مناوشة قليلة. وقتل بعض المشركين، وانهزم الباقون، وقد ملكهم الرعب والذغر وجللهم الخوف، وحديثهم في خبر الفتح مشروح.
45- ومنها قوله لأصحابه لما رجع الأحزاب خائبين "الآن نغزوهم ولا يغزوننا" فكان الأمر كما قال، فإن قريشًا بعد ذلك لم يرجعوا إلى غزو المدينة، وإن رسول الله توجه إلى مكة عام الحديبية، فصالحوه وهادنوه، ثم دخل مكة من قابل مع أصحابه آمنين، ثم فتحها بعد ذلك.
46- ومنها إخباره أن ابنته فاطمة أول أهل بيته لحوقًا به، فكان كذلك، فإنها ـ رضي الله عنها ـ توفيت بعده بأربعين يومًا، أو خمس وسبعين يومًا، أو ستة أشهر، على اختلاف الروايات، ولم يتوف قبلها أحد من أهل بيته.
47- ومن ذلك أن عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وهو أخو لبيد بن ربيعة، وفدا على رسول الله ، في قومهما من بني عامر، فقال عامر لأربد، إذا قدمنا على محمد، فإني شاغل عنك وجهه، فاعله أنت بالسيف، حتى تقتله، قال أربد أفعل ثم أقبل عامر يمشي، وكان رجلاً جميلاً، حتى قام على رأس رسول الله فقال يا محمد، ما لي إن أسلمت، فقال لك ما للإسلام وعليك ما على الإسلام، قال ألا تجعلني الوالي من بعدك.
قال ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل، تغزو بها، قال أو ليست لي اليوم، ولكن اجعل لي ولك المدد، قال ليس ذلك لك، فقال قم يا محمد، إلى ههنا، فقام إليه، فوضع عامر يده بين منكبيه، ثم أومأ إلى أربد، أن اضرب، فسل أربد سيفه، قريبًا من ذراع، ثم أمسك الله يده، فلم يستطع أن يسله ولا يغمده.
فالتفت رسول الله إلى أربد، فرآه على ما هو عليه، فقال اللهم اكفنيهما بما شئت اللهم اهد بني عامر، واغن الدين عن عامر، فانطلقا وعامر يقول، والله لأملأنها عليك خيلاً دهمًا، ووردًا، فقال رسول الله يأبى الله ذلك، وأبناء قيلة، يعني الأنصار، ثم قال عامر لأربد، ويلك لماذا أمسكت عنه ؟ فقال والله ما هممت به مرة، إلا رأيتك، ولا أرى غيرك، أفأضربك بالسيف.
وسار عامر، فطرح الله عليه الطاعون في عنقه، فقتله، في بيت امرأة من بني سلول، وجعل يقول يا آل عامر، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، وانتهت حياته لعنه الله، وأما أربد، فقدم على قومه، فقالوا ما وراءك، يا أربد، فقال والله لقد دعانا محمد، إلى عبادة شيء، لوددت أنه عندي الآن، فأرميه بنبلي هذا، حتى أقتله.
ثم خرج بعد مقالته بيوم أو يومين، ومعه جمال له تتبعه فأرسل الله عليه صاعقة، فأحرقته، وقيل نزل في صاعقته "هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا – إلى قوله ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء".
48- ومنها إطعامه ، بني المطلب بذراع جزور وعس من لبن، فقد ذكر أهل النقل أنه لما نزل على النبي وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أمر عليًا، فقال له "يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعًا، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها، حتى جاءني جبريل، فقال لي يا محمد إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعًا من طعام، واجعل عليها رجل شاة، واملآ لنا عسًا من لبن.
ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس ـ رضي الله عنهما ـ وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه، دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئت به.
فلما وضعته تناول رسول الله جذية من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذ باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا جميعا، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
فلما أراد رسول الله أن يكلمهم، بدره أبو لهب فقال سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله .
فقال الغد "يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم" ففعلت، ثم جمعتهم، فدعاني بالطعام، فقربته ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا.
ثم تكلم رسول الله فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه وعرض عليهم مؤازرته على ذلك، فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب ، فهذا من الأمور الخارقة للعادة، أظهره الله على يدي نبيه تصديقًا له.
49- ومنها ما ذكره في أعلام النبوة، أن معمر بن يزيد وكان أشجع قومه، استغاثت به قريش، وشكوا إليه رسول الله ، وكانت بنو كنانة تصدر عن رأيه وتطيع أمره، فلما شكوا إليه قال لهم إني قادم إلى ثلاث، وأريحكم منه، وعندي عشرون ألف مدجج، فلا أرى هذا الحي، من بني هاشم يقدر على حربي.
وإن سألوني الدية، أعطيتهم عشر ديات، ففي مالي سعة وهو مشهور بالشجاعة، والبأس، فلبس يوم وعده قريشًا سلاحه، وظاهر بين درعين، فوافقهم بالحطيم، ورسول الله في الحجر يصلي، وقد عرف ذلك، فما التفت، ولا تزعزع، ولا قصر في صلاة.
فقيل له هذا محمد ساجد، فأهوى إليه، وقد سل سيفه، وأقبل نحوه، فلما دنا منه رمي بسيفه، وعاد، فلما صار إلى باب الصفا، عثر فر درعه، فسقط، فقام وقد أدمى وجهه بالحجارة، يعدو كأشد العدو، حتى بلغ البطحاء، ما يلتفت إلى خلف، فاجتمعوا وغسلوا، عن وجهه الدم، وقالوا: ماذا أصابك، قال ويحكم، المغرور من غررتموه، قالوا ما شانك قال ما رأيت كاليوم، دعوني ترجع إلى نفسي فتركوه ساعة، وقالوا ما أصابك يا أبا الليث، قال إني لما دنوت من محمد، فأردت أن أهوي بسيفي إليه، أهوى إلي من عند رأسه شجاعان، أقرعان، ينفخان بالنيران، تلمع من أبصارهما، فعدوت فما كنت لأعود، في شيء من مساءة محمد.
50- قال ومن أعلامه:
أن كلدة بن أسد أبا الأشد، وكان من القوة بمكان، خاطر قريشًا يومًا في قتل رسول الله ، فأعظموا له الخطر، إن هو كفاهم، فرأى رسول الله في الطريق يريد المسجد، ما بين دار عقيل، وعقال، فجاء كلدة ومع المزراق، فرجع المزراق في صدره، فرجع فزعًا، فقالت له قريش مالك يا أبا الأشد، فقال ويحكم، ما ترون الفحل خلفي، قالوا لا ما نرى شيئا، قال ويحكم فإني أراه، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف، فاستهزأت به ثقيف، فقال أنا أعذركم، لو رأيتم ما رأيت لهلكتم.
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وسلم.
51- ومنها إرسال الريح الشديدة على الأحزاب، وهم قريش، ومن معهم يوم الخندق أرسلها الله عليهم ليلاً، قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب، انطلقي ننصر رسول الله ، فقالت الشمال غن الحرة لا تسري بليل، وكانت الريح التي أرسلها الله عليهم الصبا، ففروا لشدتها عن بعض أثقالهم وأمتعتهم، ولو أقاموا إلى الصباح لهلكوا جميعا.
وهو المدلول عليه بقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا.
ففي خبر القصة أن رسول الله لما رأى من أصحابه الجزع لطول الحصار، صعد إلى الجبل فدعا الله وكان فيما دعاه أن قال "واصرف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك".
فنزل جبريل يخبره عن الله بأنه استجاب له وأمر الله الريح والملائكة أن يهزموا قريشًا والأحزاب تلك الليلة، فأمر حذيفة بن اليمان أن يدخل معسكرهم أي قريش، ويأتي بأخبارهم وقال له إن الله عز وجل قد أخبرني أنه أرسل على قريش الريح، وهزمهم.
قال فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرًا، ولا نارًا، ولا بناءً، فقطعت أطناب الفسطاط، وقلعت الأوتاد، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر.
قال وقال أبو سفيان يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، فردوا بغيظهم وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ.
فالباري جل وعلا أرسل الريح على أولئك المشركين نصرًا لنبيه محمد وتصديقًا لدعوته، واستجابة لدعائه، لعلمه تعالى أن أصحاب محمدٍ ذلك اليوم لا يقومون بقتال أولئك ففي هذه معجزة عظيمة.
52- ومن ذلك ما رواه أبو هريرة ، قال لما فتحت خيبر، أهديت للنبي شاة فيها سم فقال "اجمعوا لي من كان هنا من اليهود" فجمعوا، فقال لهم "إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه ؟" قالوا نعم، يا أبا القاسم، فقال لهم "من أبوكم ؟" قالوا: فلان، قال "كذبتم، أبوكم فلان" قالوا صدقت، وبررت، قال "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا: نعم، وإن كذبناك عرفت، كما عرفته في أبينا، قال لهم: "من أهل النار ؟" قالوا نكون فيها يسيرًا، ثم تخلفونا فيها.
قال "اخسؤا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدًا" قال "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا نعم، قال "هل جعلتم في هذه الشاة سمًا؟" قالوا: نعم، قال "فما حملكم على ذلك ؟" قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت صادقًا لم يضرك، رواه البخاري.
53- ومن ذلك ما ورد عن صفوان بن عسال: قال بعض اليهود لصاحبه، اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال له صاحبه، لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا النبي فسألاه عن تسع آيات بينات.
فقال لهم "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الأدبار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود، أن تعدوا يوم السبت" فقبلا يده، ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي.
فقال "ما يمنعكما أن تتبعاني ؟" قالا إن داود دعا ربه، أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك، تقتلنا اليهود، للترمذي والنسائي.
54- وعن جابر قال غزونا مع النبي قبل نجد، فأدركنا النبي في القائلة في واد كثير العضاه، فنزل تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها.
وتفرق الناس في الوادي، يستظلون بالشجر، فقال : "إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت، وهو قائم على رأسي، والسيف صلتًا في يده، فقال من يمنعك مني، قلت الله، فشام السيف فها هو ذا جالس" ثم لم يعرض له وكان ملك قومه، فانصرف حين عفى عنه، فقال لا أكون في قوم هم حرب لك، متفق عليه.
55- ومنها إخباره أن الأرضة أكلت من صحيفة قريش ما فيه ظلم، وقطيعة رحم.
وأبقت ما فيها من أسماء الله تعالى.
ومن حديثها أن قريشًا كتبوا فيما بينهم صحيفة بأن لا يبيعوا بني هاشم، ولا يبتاعوا منهم، ولا يناكحوهم، ولا يكلموهم، أو يدفعوا إليهم محمدًا ليقتلوه، ودفنوها في الكعبة، فقام أبو طالب ومن معه بحماية النبي ، فبقوا محصورين في الشعب سنتين أو ثلاثًا.
قال ابن هاشم وقد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله قال لأبي طالب: يا عم، إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسمًا هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم، والقطيعة، والبهتان، فقال أربك أخبرك بهذا، قال نعم، قال فوالله ما يدخل عليك أحد.
ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا فهلم صحيفتكم، فإن كانت كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عما فيها، وإن كان كاذبًا، دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم رضينا، فتعاقدوا على ذلك.
ثم نظروا فإذا هي كما قال ، فزادهم ذلك شرًا فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.
56- ومنها ما روي عنه أنه قال لعلي يوم أحد بعد انجلاء الهيجاء، إن قريشا لن يصيبوا منا مثلها بعد هذا، حتى يفتح الله علينا مكة، فكان الأمر كما قال، فإنه لم تصب قريش من أصحاب النبي بعد أحد ما أصابت منهم يوم أحد.
وما زال أمر النبي يعلو عليهم حتى غزاهم في عقر دارهم، ومحل قرارهم، ولم يستطيعوا دفعه، بل استأسروا له راغمين، فمن عليهم فأطلقهم من حبالة القتل، وأعتقهم من رق الأسر، وناداهم وهم مرعوبون "اخرجوا فأنتم الطلقاء" وذلك يوم فتح مكة بالنسبة الثامنة من الهجرة.
57- ومن ذلك ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، أنها قالت للنبي ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد، قال "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل، بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني، فقال إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي "بل أرجو، أن يخرج الله من أصلابهم، من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا" متفق عليه.
58- ومن ذلك ما ورد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: صعد النبي حراء، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، وسعيد، فتحرك الجبل، فقال النبي اسكن حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق، أو شهيد، فسكن الجبل.
59- ومن أعلام نبوته أنه بعث خالد بن الوليد من تبوك، في أربع مائة وعشرين فارسًا، إلى أكيدر دومة الجندل، من كندة، فقال خالد يا رسول الله، كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في عدد يسير، فقال ستجده يصيد البقر، فتأخذه، فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح له، من شدة الحر، مع امرأته، فأقبلت البقر، تحك بقرونها باب الحصن، فقال أكيدر دومة: والله ما رأيت بقرا جاءتنا ليلاً غير هذه الليلة، لقد كنت أضمر لها الخيل، إذا أردتها شهرًا أو أكثر، ثم نزل فركب بالرجال، والآلة، فلما فصلوا من الحصن، وخيل خالد تنظر إليهم، لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل، أخذته الخيل، فاستؤسر أكيدر دومة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
يا قَومُ فَرْضُ الهِجْرَتيْنِ بِحَالِهِ
فالهِجرةُ الأولَى إِلَى الرحَمن
حتَّى يَكُونَ القصدُ وجْهَ الله
ويكونَ كلُ الدينِ للرحمن ما
والحُبُّ والبُغْضُ اللذَيْنِ هُمَا لِكُـ
للهِ أَيِضًا هَكذَا الإِعْطَاءُ
واللهِ هَذا شَطْرُ دِينِ اللهِ والتَّـ
والهجرةُ الأُخْرَى إِلَى المَبْعُوثِ بالْـ
أَتَرَوْنَ هَذِي هِجْرَةَ الأَبْدَانِ لا
قطعُ المَسَافَةِ بالقُلُوبِ إلِيه في
أَبدًا إِليهِ حُكْمُهَا لا غَيْرُهُ
يا هجرةً طَالَتْ مَسَافَتُهَا على
يا هِجْرةً طَالَتْ مَسَافَتُهَا عَلَى
يا هِجْرةً والعَبْدُ فَوْقَ فِرَاشِهِ
سَارُوا أَحَثَّ السَيْرِ وهُو فَسَيْرُهُ
هَذَا وتَنْظُرُهُ أَمَامَ الرَّكْبِ
رُفعَتْ لَهُ أَعلامُ هَاتِيْكَ النُصُوْ
نارٌ هِيَ النُوْرُ المُبِيْنُ ولَمْ يَكُنْ
مَكْحُولتانِ بمِرْوَدِ الوَحْيَيْنِ لا
فلِذَاكَ شَمَّرَ نَحْوَهَا لَمْ يَلْتَفِتْ
يَا قومُ لَوْ هَاجَرْتُمُوْا لَرَأَيْتُمُ
ورَأَيْتُمُ ذَاكَ اللِّوَاءَ وتَحْتَهُ الـ
أَصحابَ بَدْرِ والأُولَى قَدْ بَايُعْوا
وكَذَا المُهَاجِرَةُ الأُولَى سَبَقُوا كَذَا الْـ
والتَّابِعُونَ لَهُم بإحْسَانٍ وسَا
لَكِنْ رَضِيْتُمْ بالأَمَانِي وابْتُلِيْتُم بالْـ
بَلْ غَرَّكُم ذَاكَ الغَرُوْرُ وسَوَّلَتْ
ونَبَذْتُم غِلَّ النُصُوصِ وَرَاءَكُمْ
وتَرَكْتُمُ الوَحْيَيْنِ زُهْدًا فِيْهِمَا
وعَزَلْتُمُ النَّصَيْنِ عَمَّا وُلِيَّا
وزَعَمْتُم أَنَّ لَيْسَ يَحْكُم بَيْنَنَا
حَتَّى إِذَا انْكَشَفَ الغِطَاءُ وحُصِّلَتْ
وإِذا انْجَلَى هَذا الغُبَارُ وصَارَ مَيْـ
وبَدَتْ عَلَى تِلكَ الوُجُوهِ سِمَاتُهَا
مُبْيَضَّةً مِثْلَ الرِّياضِ بجَنَّةٍ
فهُنَاكَ يَعْلَمُ رَاكَبٌ ما تَحْتَهُ
وهُنَاك تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا الذِي
وهُنَاكَ يَعْلَمُ مُؤْثِرُ الآراء والشَـ
أَيَّ البَضَائِعِ قد أَضَاعَ وما الذي
سُبْحَانَ رَبِ الخَلْق قاسِم فَضْلِهِ
لَو شَاءَ كان النَاسُ شَيْئًا واحدًا
لَكِنَّه سُبْحَانَه يَخْتَصُّ بالْفضلِ
وسِوَاهُمُ لا يَصْلَحونَ لِصَالِحٍ
وعِمَارةُ الجناتِ هُمْ أَهلُ الهُدَى
فسلِ الهِدَايَةَ مَنْ أَزمَّةُ أَمْرِنَا
وَسَلِ العِيَاذَ مِن اثْنَتَيْنَ هُمَا اللتَا
شَر النفوِسِ وسَيء الأَعْمَالِ مَا
ولَقَد أَتَى هَذَا التَّغَوُذُ مِنَهُمَا
لو كانَ يَدْري العَبْدُ أَنَّ مُصَابَهُ
جَعَلَ التَّعَوُذَ مِنْهُمَا دَيْدَانَهُ
والله لم يُنْسَخْ إِلى ذَا الآنِ
بالإِخْلاصِ في سِرٍ وفي إِعلانِ
بالأَقْوالِ والأَعمالِ والإِيمانِ
لِسوَاهُ شيءٌ فيه مِن إِنسانِ
لِّ ولايَةٍ وعَدَاوةٍ أَصْلانِ
وَالسَّمْعُ اللذانِ عَلَيْهمَا يَقِفَانِ
ـحْكِيمُ لِلْمُخْتَار شَطْرٌ ثانِ
ـإِسْلامِ والإِيمانِ والإِحسانِ
واللهِ بل هِيْ هِجْرةُ الإِيمانِ
دَرَكِ الأصُولِ مَعَ الفُروْعِ وذانِ
فالحُكْمُ مَا حَكَمَتْ بِه النَّصَانِ
مَنْ خُصَّ بالحِرمَانِ والخُذْلانِ
كَسَلان مَنْخُوبِ الفُوآد جَبَانِ
سَبَقَ السُّعَاةَ لِمَنْزِلِ الرِّضْوَانِ
سَيْرَ الدَّلِيْلِ وَلَيْسَ بِالذَّمِلانِ
كَالْعَلَمِ العَظيم يُشَافُ فِي القِيْعَانِ
صِ رُؤُوسُها شَابَتْ مِن النِيَرانِ
لِيَراهُ إلا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ
بمَرَاوُدِ الأَرَاءِ والهَذَيَانِ
لا عن شَمَائِلِهِ ولا أَيْمَانِ
أَعْلامَ طَيْبَةَ رُؤْيةً بعِيَانِ
ـرُّسْلُ الكِرَامُ وعَسْكَرُ الإِيْمَانِ
أَزكَى البَرِيَّةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ
أَنْصَارُ أَهْلُ الدارِ والإِيْمَانِ
لكُ هَدْيِهِمْ أَبدًا بِكُلِ زَمَانِ
ـحُظوظِ ونَصْرةِ الإخْوَانِ
لكُم النُفُوسُ وسَائِسَ الشَّيْطَانِ
وقَنِعْتُمُ بقِطَارَةِ الآذانِ
ورَغِبْتُمُ في رَأْي كُلِّ فُلانِ
لِلْحُكْم فيه عَزْلَ ذِي عُدْوَانِ
إلا العُقُولُ وَمْنطِقُ اليَوْنانِ
أَعْمَالُ هَذَا الخَلْقِ بالمِيْزَانِ
ـدَانُ السِّبَاقِ تَنَالُه العَيْنَانِ
وسْمَ المَلِيْكِ القَادِرِ الدَّيَانِ
والسُوْدُ مِثْلَ الفَحْمِ لِلنِّيْرانِ
وهُنَاكَ يُقْرَعُ نَاجِدُ النَّدْمَانِ
مَعَهَا مِن الأَرْبَاحِ والخُسْرَانِ
ـطحاتِ والهَذَيانِ والبُطْلانِ
مِنْهَا تَعَوَّضَ في الزَمانِ الفَانِ
والعَدْلِ بَيْنَ الناسِ بِالمِيْزَانِ
مَا فِيْهمُ مِن تَائِهٍ حَيْرَانِ
العظيم خُلاصةَ الإِنسانِ
كالشَّوكِ فَهْوَ عِمَارَةُ النِيْرانِ
اللهُ أَكْبَرُ لَيْسَ يَسْتَوِيانِ
بِيَدَيْهِ مَسْأَلةَ الذلِيْلِ العَانِ
نِ بُهُلْكِ هَذَا الخلَق كَافِلَتَانِ
وَاللهِ أَعظُمُ مِنْهُمَا شَرَّانِ
فِي خُطْبَةِ المَبْعُوثِ بالقُرآنِ
فِي هَذِهِ الدنيا هُما الشَّرانِ
حَتَّى نَرَاهُ دَاخِلَ الأَكْفَانِ
اللهم ثبت محبتك في قلوبنا وقوها ووفقنا لشكرك وذكرك وارزقنا التأهب والاستعداد للقائك واجعل ختام صحائفنا كلمة التوحيد واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
60- ومنها أخذ الله المشركين المستهزئين بالنبي بما شغلهم عنه وأزال منعهم إياه عن تبليغ الرسالة، وهو المشار إليه بقوله تعالى إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
وهم خمسة نفر من رؤساء قريش، الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان رأسهم، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد المطلب ابن الحارث بن أسد ب